المجزوءة الأولى: مجزوءة الفلسفة - المحور الثالث: لماذا التفلسف؟
إن
سؤال لماذا التفلسف؟ سؤال أساسي وضروري، لأن التفلسف لا يقتضي فقط أن نبحث في زمن
ومكان وعوامل نشأة الفلسفة، وأن نبحث في لحظاتها التاريخية الأساسية، بل أكثر من
ذلك، لابد من كشف الدوافع التي قد تدفع الإنسان عامة والفيلسوف خاصة إلى التفلسف.
وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز: ” إن الأصل هو الينبوع الذي
ينبثق من على الدوام الدافع إلى التفلسف”. لذلك، لابد أن نبحث في هذا الأصل هذا
والينبوع الذي يجعل التفلسف أمرا ضروريا. وهنا يمكن أن نوجه بحثنا هذا بتساؤلات من
قبيل: هل الدافع إلى التفلسف هو كون الأجوبة العادية لم تقنع الفلاسفة أم لأن لغز
الوجود أكبر من تلك الأجوبة؟ أم أن الفيلسوف هو الذي يفكر بطريقة غير عادية؟ هل
ينبع فعل التفلسف من الدهشة ومن التعجب والحيرة؟ أم من عجز الإنسان عن فهم معنى
الخير والشر ومعنى الحياة والموت؟ أم من غربته في العالم وغربة العالم في عينيه؟
ألا يمكن أن يكون الدافع إلى فعل تفلسف هو البحث عن الحقيقة؟ أليس الشك في الحقيقة
هو الدافع إلى التفلسف؟ ألا يمكن أن يكون الدافع إلى التفلسف هو الوجود؟
1. أتعرف فعل التفلسف كدهشة - تحليل نص آرثر شوبنهاور
تعريف الفيلسوف آرثر شوبنهاور
آرثر شوبنهاور (1788-1860) فيلسوف ألماني، وهو تلميذ لكانط،
وقد عرف بنظرته المتشائمة للحياة، من أهم مؤلفاته: "العالم كإرادة
وكتمثل"
سؤال النص
ما
الدافع الأقوى للتفكير الفلسفي؟ وكيف
تكون الدّهشة، التّي هي تعبير عن الذهول و ذهاب العقل، علامة على بداية التّفكير
الفلسفي، الذّي عرف على أنّه بالأساس، ممارسة عقليّة واعية ويقِظة ؟
أطروحة النص
يؤكد شوبنهاور
في نصه على أطروحة مضمونها أن معرفة الأمور المتعلقة بالموت، والتفكير في الألم
وفي بؤس الحياة هو الذي يدفع إلى الدهشة والتفكير الفلسفي.
مفاهيم النص:
مفهوم الدهشة
الدهشة:
في معناها العام حَيْرَة، ارتباك، ذهول، ما يعتري الإنسان من حالة ناشئة عن حدوث
أمر غير متوقع ومفاجئ. وفي معناها الفلسفي فهي الدهشة التي لا تكتفي بمساءلة ما هو
غير واضح، بل تسائل أيضا ما هو بديهي ومألوف، وعدم الاقتناع بالأجوبة المألوفة
والمتداولة.
حجاج النص:
لإثبات العلاقة التأسيسية بين الدهشة
والفلسفة لجأ النص إلى:
• الحجاج بالسلطة: متمثلا في قولة أرسطو: " الدهشة هي التي دفعت
الناس إلى التفلسف"
• تقنية التعريف: " الإنسان حيوان ميتافيزيقي" لا يتوقف عن البحث والانشغال
بما وراء الطبيعة، وما وراء الطبيعة محتجب ومتخف ، وكل متخف يثير الدهشة والفضول.
يمكننا أيضا توضيح علاقة الدهشة بالتفلسف
كالتالي :
الدهشة
--------< عجز----------
< حالة من الجهل والفراغ المعرفي، نعترف
وحيرة أثناءه بعدم كفاية معارفنا السابق------
---------< توتر وألم
-------< ضرورة خفض التوتر ---- محاولة المعرفة عن
طريق البحث والتساؤل.->----------
تحليل النص من خلال أفكاره الأساسية
- يرى شوبنهاور أنه عندما تنحدر مرتبة من
حيث العقل الإنسان يصبح الوجود أقل غرابة، لأن كل شيء يكون حاملا في ذاته سبب
وكيفية حدوثه.
- من شروط الدهشة أن يكون الإنسان أعلى
درجة من حيث العقل. فيصبح الوجود أكثر غرابة لأن الأشياء حينئذ لن تكون حاملة
في ذاتها سبب وكيفية حدوثها.
- ليس من شروط الدهشة أن يكون الفرد أعلى
درجة من حيث العقل فقط، بل من شروطها أيضا معرفة الأمور المتعلقة بالموت،
والتفكير في الألم وفي بؤس الحياة.
- هذا الشرط الأخير هو الدافع الاقوى
للتفكير الفلسفي والتفسير الميتافيزيقي للعالم.
- يذهب شوبنهاور إلى التأكيد على أن الدهشة ستنتفي لو كانت حياتنا أبدية وخالية من الألم، لأنه ستنتفي غرابة الوجود، وستصبح كل الأشياء مفهومة من تلقاء ذاتها.
خلاصة موقف آرثر شوبنهاور
لولا الموت
والألم لما كانت الأشياء أو بالأحرى الوجود غامضا غير مفهوم، ومن ثم لغزا يولد
الحيرة والدهشة. كيف ذلك؟ إن وجود الإنسان من أكثر الظواهر والمعطيات ألفة
واعتيادية، فكيف يغدو يا ترى، بفعل الموت والألم، مصدرا للدهشة؟ إن وجود الموت يضع
حول الوجود علامات استفهام: حول قيمة الوجود، معناه، حول المصير والخير والشر وما
وراء الموت أي ما وراء الطبيعة... وإذا كان البشر متساوون أمام الموت، فهم غير
متساوين حيال الألم (الألم هنا بمعنى كل مظاهر النقص: كألم الجسم، الحاجة، الفقر،
الكوارث، الشر...) الأمر الذي يثير بدوره أسئلة حول سر ومغزى هذه اللامساواة،
فأكثر ضروب الألم تحل بشكل مفاجئ غير قابل للتفسير. دون أن ننسى أن
أكثر الناس انغماسا في تيار الحياة وأكثرهم غفلة عن التفكير في الحياة والوجود، لا
يضطرون للانتباه لقضايا القضاء والقدر والمصير وقيمة الحياة إلا عند النكبات
والآلام!!!
في مرحلة الطفولة، يكون الإنسان أشد رغبة في
المعرفة وأكثر قدرة على الاندهاش، بيد أن هذه القدرات تتلاشى بفعل التعود والعادة
لتبدو الأشياء بعد ذلك مألوفة واضحة تحمل في ذاتها تفسيرها. فإذا كانت العادة إذن
تقتل في الفكر الرغبة في المعرفة وتخمد جذوتها، فإن الدهشة أشبه ماتكون بمضاد
يقاوم مفعول العادة وينزع عن الأشياء ألفتها وبساطتها وبداهتها الخادعة، لذلك عرف
البعض الفيلسوف بأنه " شخص يرفض التعود على العالم" !!
2- فعل التفلسف كبحث عن الحقيقية الاشتغال على نص كارل ياسبرز
أ- إشكال النص
ما هو الفرق بين نتائج العلم
ونتائج الفلسفة ؟ وما هي الغاية من فعل التفلسف ؟ وما هي أهمية السؤال في الفلسفة؟
ب – أطروحة النص
يميز كارل ياسبرز بين نوعين من
النتائج ، نتائج مرتبطة بالعلم ، وأخرى مرتبطة بالفلسفة. الأولى حقائق تفرض نفسها
على الجميع لأنها نتائج ضرورية قطعية ، ما الثانية فهي لا تفرض نفسها على الجميع
لأنها ليست ضرورية وليست قطعية ، إذ لا يوجد إجماع يتم بموجبه إقامة معرفة نهائية .
3- فعل التفلسف كشك
الاشتغال على نص روني ديكارت
يؤكد
روني ديكارت على ضرورة وأهمية مراجعة الآراء السابقة ، لأننا نتقبلها على أنها
صادقة على الرغم من كونها خاطئة . فلكي يتخلص المرء من هذه الآراء عليه أن يقوم
بالشك فيها ولو مرة واحدة في حياته . والشك الذي يدعو إليه ديكارت هنا هو الشك
المنهجي الذي يطال كل شيء من أجل الوصول إلى الحقيقة .
خلاصة تركيبية :
إن
لفعل التفلسف غايات كثيرة ومتعددة يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما
يلي : البحث عن الحقيقية والوصول إليها ، وذلك إما من خلال الاعتماد على آلية
السؤال كما أكد على ذلك كارل ياسبرز باعتبار الأسئلة أهم بكثير من الأجوبة ، أو من
خلال آلية الشك المنهجي كما رأينا ذلك مع روني ديكارت باعتباره الطريق الأنسب
للوصول إلى الحقيقية وامتلاكها .
تعليقات
إرسال تعليق